ذكر ابن النحاس في مشارعه أن الروم أسرت مسلمًا قُرشيًّا في زمن معاوية -رضي الله عنه- وأُدخِل الأسير على ملكهم فتكلم بين يديه بعزِ الإسلام ؛ فلطمهُ أحد البطارقة
ثم قال له: اذهب فإذا وصلت إلى فم البحر فأنشر البساط فإن الشره والطمع سيحملهُ على النزول إليك فإذا اتاك فأشغله بالحديثِ وأعرض عليه البساط وقدم له التُحف ، ثم ابسط الشراع وقيد الكُراع والذراع ، والإسراع الإسراع.
العلج في ستارةٍ على فمِ البحر ، وأقبل المركب فأشرف ورأى البساط ؛ فكاد عقله يذهب ، ونزل إلى المركب ؛ فتلقاه القائد يعرض عليه البساط ، ويلعب به لعب الأفعال بالأسماء ، وأشار لأصحابه بالتجديف، فما شعر إلا والشراع يُرفع ، فقال : ما هذا ؟!!!
فقيدوا الكراع والذراع ، وحالهم وقعت أي لكاع !!!
كابن آوى وهو صعب صيدهُ ** فإذا صيد يساوي خردلة
جاءوا بهِ إلى معاوية موثقًا، فقال معاوية: الحمد لله، عليَّ بالأسير.
جاءوا به، فقال له: أهذا خصمك؟
قال: نعم .
قال: قم فألطمه كما لطمك ولا تزد «بمثل ما عوقبتم به».
فتقدم المسلم فلطمه وحمد الله وشكر لأمير المؤمنين ، ثم مضى وحاله :
أعليت دين الله جل جلاله ** فرسى له أصل وطال جدارُ
ثم التفت معاوية للبطريق فقال له: قل لملككَ لقد تركت ملك المسلمين يقتص ممن هم على بساطكَ من وزرائك وخواصك ، فأ
فاعرف قدرك وإياك وغدرك ،
ابن الليل والخيل المذاكي ** وبيض الهند والسمر اللدانِ
ثم قال لقائدهِ: خذهُ إلى فم البحر ثم ارمهِ هناك وارمِ معه بساطه.
فذهب به القائد حتى وصل بهِ إلى الشاطئ الآخر، ورمى به على فم البحر.
كالخنزير في الطرائدِ ** ليس لمن يقتله من حامدِ
ذهب إلى ملكهِ وبلّغ البطريق رسالة معاوية رضي الله عنه، فهاب ذلك الملك معاوية وعظمه ، وقال: لله أبوه أمكر الملوك وأدهى العرب، قدموه فساس أمرهم، والله لو همّ بأخذي من على بساطي لتمت له الحيلة في ذلك.
لقد أسموه داهية فلم يخطئه معناهُ ** وقد قالوا لكل اسم نصيب من مسماهُ
____________________________