close
غير مصنف

امرأة رزقت طفلين فاطمة و حسن ،وكانت دائما تساعد زوجها في ضيعته ،وتهتمّ بالحيوانات .وفي أحد الأياّم سقطت بقرتهم الصّغيرة في حفرة ،وكسرت ساقها ،فجاء الرّجل ،وقال: سأذبحها ،فهي لم تعد تصلح لشيئ ،لكن المرأة أجابته :سأهتمّ بها وأعالجها ،فربطت ساقها ،وأطعمتها وبعد مدّة شفيت، وأصبحت تتبع سيدتها أينما تذهب ،وتنظر لها بعينيها الواسعتين كأنّها تشكرها على معروفها .
لكنّ المرأة ،تعبت كثيرا في الضّيعة، وكان زوجها يعوّل عليها في كلّ شيئ ،وفي بعض الأحيان كان يخرج ،ويتركها بمفردها ، لمّا حلّ الشّتاء ،كان البرد شديدا تلك السّنة ،وبدأت تلك المرأة تمرض، ولم تعد تأكل ،وبعد فترة توفّيت، و شعر الطفلان بالوحدة . قال أبوهما في نفسه: لا بدّ أن اتزوّج ثانية، فالأطفال لا يزالون صغارا ،ولا أقدر أن أهتمّ بهم بمفردي
.
وبعد عام ،رزق ببنت سمّاها عيشة ،كان الطفلان يعرفان أنّ امرأة أبيهم لا تحبّهم، أمّا والدهما فأصبح يؤثّر أختهما الصّغرى ،ويسعى لإرضاء زوجته الجديدة. كانا يفتقدان والدتهما بشدّة، هما يدركان أنّها في عالم آخر، لكنّها تشعر بهما وتراهما . في بعض الأحيان كانا يفكّران أنّها سترجع ،وسيفتحون يوما لها الباب ،ويجدونها أمامهما . وكلما إشتد بهما الحزن كان يذهبان ويجلسان بجانب تلك البقرة الصّغيرة التي كبرت الآن .
لقد كانت فرداً من العائلة، ولم يكن ينقصها غير النّطق، فقد كانت تفهم كل ما يدور حولها، وحضرت آخر دقائق الأمّ في هذه الحياة، ورأت في نظراتها الحزن العميق والأسى على فلذات أكبادها التي ستتركهم ورائها ،رأت القلب الذي يأبى أن يتوقف عن الحب. وفي اليوم الأخير أطلت البقرة من الشباّك، وكانت المرأة تحتضر، وقالت لها : سأردّ جميلك، لم أنس اليوم الذي أنقذتني فيه من الموت، إذهبي بسلام، فسأحفظ أطفالك في عيوني !!!
لمّا سمعت المرأة ذلك ابتسمت، وقالت: الحمد الله الذي أنقذ أطفالي من اليتم ، يا لها من معجزة فلقد تكلّمت البقرة وأراحت بالي ،ثم أغمضت عينيها، وجادت بآخر أنفاسها . لكن البقرة لا تستطيع أن تخبر أحد بالوعد الذي أعطته لسّيدتها، لقد كان هذا سرّها .
كان الصغيران يُخرجان البقرة كل صباح ،لترافقهما إلى الضّيعة، فقد كانت تعرف كلّ الدروب والمسالك، وتخاف عليهما من البرد والثلج، وكانا يشعران بحنانها ، فقلب الطفل دليله إلى من يحبّه. وهناك كانا يلعبان ويجريان وراء الفراشات ،ولماّ ينتصف النهار يخرجان إلى الغابة ويجلسان قرب عين ماء صافية ، وتقسم فاطمة قرصاً من خبز الشعير مع لأخيها، وكانت البقرة تحفر الأرض وتستخرج الكمأ وتجمع ا لهم لتوت البري، فيأكلان حتى يشبعان ،عندئذ تتمدد البقرة وبنظرة منها يقتربان من ضرعها ويشربان ،.ثم يضعان رأسهما على صدرها ويحسان بالدفئ .
ولمّا يعودان إلى البيت لا يلمسان الكسكسي البائت الذي تقدمه لهما في حين تأكل هي وأبوهم وابنتها عيشة أطيب الطعام ، وكلما جاءت المرأة لحلب البقرة وجدت ضرعها جافا ،و لمّا إشتكت إلى زوجها أجاب أنّها بقرة أمهم ،وهذا أفضل فلا يضطر ليصرف شيئا عن طعامهم .
لكنّ المرأة أصبحت تحسّ بالحقد لمّا رأت أن الصّببين قد كبرا بسرعة ،وإزداد جمالهما ،وأصبحت فاطمة تفتن القلوب بعينيها العسليتين وبشعرها الأسود الطويل كأنّه قطعة من الليل ،في حين أن عيشة بقيت ضعيفة رغم كلّ ما تقدّمه لها من عسل ولحم ولبن، فقالت في نفسها ،هؤلاء الأطفال ورائهم سرّ ،ولا بد أن أعرفه

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى